لماذا اللواتية معزولون ولا يندمجون؟
يقال أن هناك سورين (مجازي وآخر حقيقي) عزلوا أنفسهم داخلهما عن الآخرين؟ هذا السؤال وغيره من الأسئلة التي قد يطرحها البعض (ولهم الحق) لفهم الأسباب التي جعلت من قبيلة اللواتية لا وجود لها في الساحة الثقافية. أدعي بأنني واحدة من الأوائل الذين كان لهم وجود ومشاركة كبيرة ومنذ الثمانينات في الساحة الثقافية. و كان ذلك سواء عبر النادي الثقافي أو عبر كتاباتي في جريدة عمان و مجلة العقيدة. لكن بعد كل تلك الأعوام لا نرى وجود غير عدد لا يزيد عن عدد أصابع اليدين من أفراد (فقط للدقة لأني اظن العدد أقل من ذلك) من أفراد القبيلة في الساحة الآن.
لقد عُرف عن قبيلة اللواتية حبها للثقافة واهتمامها بالعلم واشتهرت بين القبائل العمانية بقيمها وعاداتها الإسلامية وتقيدها واهتمامها بالأخلاق وطيب المعشر! يضاف إلى ذلك تاريخها الطويل الذي كان له تأثير واضح في مجالات متنوعة الإقتصادية منها و الثقافية و الإجتماعية و الوطنية وغيرها. ولا يمكن تجاهله أو عدم الإشارة إلى أثره سواء في الماضي أو الحاضر.
مخطئ من يظن أن اللغة اللواتية عزلت القبيلة عن غيرهم، فآباؤنا وأجدادنا كانوا يتحدثون العربية بطلاقة، وليست العربية فقط بل الإنكليزية أيضا. وعرف بعض أفراد القبيلة بقدراتهم الشعرية وثقافتهم الواسعة و ساهمت أمكانياتهم المادية على اطلاعهم على ثقافات وعلوم وحضارات أخرى كالهندية والإيرانية وبلاد الشام عبر أسفارهم!
ومخطئ من يظن أن السور عزل اللواتية بل العكس فتجارة اللواتية كانت على خط الباطنة وأيضا هناك من سكن وتاجر في المنطقة الداخلية. ويذكر ان للواتيه قبور في الرستاق و ستظل شاهدة على امتدادهم في الكثير من مناطق السلطنة.
ومخطئ من يظن أن أبناء اللواتية انعزلوا.. فالنوادي كالنادي الأهلي ونادي النهضة و غيرهما كانت عامرة بشباب اللواتية الذين كانوا يشاركون في النوادي ثقافيا ورياضيا ومسرحيا.
و مخطئ من يظن ان أبناء اللواتية انعزلوا ثقافيا، فأول المدارس الأهلية في مسقط كانت للواتية والتي فتحت أبوابها لجميع القبائل العمانية، وعبر تلك المدارس الأهلية اختلط أبناء اللواتية بأبناء غيرهم من القبائل.
وتأثير اللواتية لم يكن مقتصرا على مسقط بل تعدى إلى الباطنة حيث أن تواجدهم هناك كان منذ مئات السنين أيضا، فقد ذكر أجدادنا وجود سور للواتية في ولاية بركاء أيضا. و قد اختلط أبناء اللواتية في تلك المناطق ببقية أبناء القبائل وتزاوجوا منهم، ولكن بنسب صغيرة.
في عقد الثمانينات من القرن الماضي ظهرت في عمان أول مجلة ثقافية شبابية واعية باسم "الوعي". وقد أصدرها ثلة من شباب اللواتية لم يتجاوزا العقد الثاني من أعمارهم وكانت تصدر عبر مكتبة ثقافية إسلامية أسسوها تحت اسم "مكتبة الرسول الاعظم العامة" والتي من الأهمية الكتابة عنها بشكل مفصل.
وهذه الأنشطة الإجتماعية الحالية في قبيلة اللواتية ما هي إلا ثمار اينعت من تلك الجهود الشبابية التي كانت تتطلع نحو عالم أجمل و أفضل، لكن.. أتت الأوامر بإغلاق المكتبة ووقف إصدار المجلة!
فكيف انعزل هذا التاريخ الثقافي المتطلع عن الساحة العمانية؟
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وجد الشيعة أنفسهم في مختلف دول الخليج تحت حالة حصار واتهام بالعمالة والتي مع الأسف مازالت قائمة في بعض الدول حتى الآن. لكن.. ماذا عن عماننا الحبيبة؟
لم يكن الوضع في السلطنة أفضل بكثير عن غيرها. فحتى قيامنا بزيارة الامام الرضا (ع) الذي يقع قبره في مدينة مشهد بإيران والتي اعتدنا القيام بزيارته على مر التاريخ كانت تحت الأنظار. وكان يتطلب منا اخذ التأشيرة خارج الجواز خوفا من أية اتهامات (و لا أظن أن ذلك كان خافيا عن الحكومة).
لقد كان انتصار الثورة الإسلامية في إيران هو بداية مرحلة التغير في وضع اللواتية. بل لقد كان بداية لزمن عزل شيعة الخليج بشكل عام عن غيرهم. ولأن عدد الشيعة في عمان قليل جدا وأكبر القبائل الشيعية قد تكون قبيلة اللواتية فقد اصابتها السهام بشكل مباشر لعدد من الاسباب:
١) تميزهم ببعض المقومات التاريخية مثل وقوفهم و مساندتهم لدولة آل سعيد وصلتهم الوثيقة بالسلطان سعيد بن تيمور.
٢) تميزهم الإقتصادي مقارنة ببقية القبائل في تلك الفترة الزمنية، والذي مازال البعض يتوهم ذلك حتى وقتنا الحاضر.
٣) عدم وجود تحالفات لديهم مع قبائل اخرى تاريخيا.
فبسبب هذه العوامل أصبح وضع الشيعة باعتبارهم أقلية صغيرة في وضع لا يحسدون عليه بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران.
في تلك الفترة التاريخية الحالكة وفي أوج الحملات الموجهة نحو الشيعة خليجيا سمعنا عن مجموعة من الشباب الصغار في سن المراهقة أو أكبر قليلا من قبيلة اللواتية أنهم قاموا بحركة ضد الحكومة (كما أشيع). لم تكن تلك الحركة اللاواعية تقارن حجما أو كما أو عددا او تمويلا بما قام به البعض في السنوات القريبة التي بلغت إلى حد جمع كميات كبيرة من الأسلحة كما نشر في الصحف. و لكن مع الأسف كان عقابهم قاسيا جدا وأكبر من جرمهم والذي (حسب رأيي) لم يكن بحاجة إلى أكثر من "لوية أذن".
هذه هي بداية العزل الذي بدأنا نشعر به في مختلف المجالات ولم يقتصر فقط على الساحة الثقافية، والذي ما هو إلا انعكاس لواقع اشمل وأوسع. ومن الطبيعي أن هذا الواقع خلق العديد من التأثيرات على الصعيد الإجتماعي والنفسي والثقافي. فلهذا فإن العزل فُرض وعُمم، ومخطئ من يظن أنه يقتصر على الساحة الثقافية فقط!!
الأديبة و الإعلامية: الدكتورة فاطمة أنور خميس اللواتية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.